الأربعاء، 4 يناير 2012

ما لم يُكتب في أدب الأطفال - د. وفاء إبراهيم السبيل- الرياض


أظن أننا في مرحلة تجاوزنا فيها التعريف بأدب الأطفال، أو الحديث عن أهميته ودوره في تنشئة الأطفال؛ لهذا فضلت الكتابة عن ما لم يكتب في أدب الأطفال، مستحثة همم المبدعين
أظن أننا في مرحلة تجاوزنا فيها التعريف بأدب الأطفال، أو الحديث عن أهميته ودوره في تنشئة الأطفال؛ لهذا فضلت الكتابة عن ما لم يكتب في أدب الأطفال، مستحثة همم المبدعين من كتاب ورسامين لسد تلك الثغرات (الواسعة) في بناء أدب الطفل العربي.
غياب الفكاهة
تكاد تغيب الفكاهة في أدب الأطفال اليوم، فقليل من الكتاب من يوظفها فيما يكتب. والمقصود بالفكاهة ما يدعو إلى الضحك؛ فيضحك الطفل ويستمتع وهو لا يشعر أنه يتلقى أفكاراً وقيماً. وأطفالنا بحاجة ماسة إلى أن يضحكوا ويستمتعوا وهم يقرؤون الأدب. ويمكن أن تدخل الفكاهة في قصص الحياة اليومية، أو في القصص المستمدة من التراث القديم أو الشعبي... والمبدع لا تعجزه الحيلة في ابتكار شخصيات أو أحداث فكاهية.. فهل من مستجيب؟
أين قصص الأعلام؟
تاريخنا القديم والجديد مليء بالشخصيات المُلهمة التي يمكن أن تكون موضوعاً لأدب الأطفال، إذ يستطيع الأدباء أن يبعثوا تلك الشخصيات من جديد بالكتابة عنها. والتاريخ العربي الجاهلي، والتاريخ الإسلامي على امتداد أربعة عشر قرناً، والتاريخ الوطني القريب؛ مادة ثرية لمن أراد أن يكتب. كما أن الصحابة والتابعين والعلماء والأمراء والأبطال.. بل حتى الناس العاديين الذين كتب عنهم التاريخ؛ كل هؤلاء أطفالنا بحاجة إلى أن يقرؤوا قصصاً أو شعراً يروي حكاياتهم، ويشاهدوا مسرحاً يجسدهم. ومن المؤسف أن كثيراً من كتابنا توقفوا عند الصحابة فقط، وكتبوا عنهم أيضاً بلغة وأسلوب لا يراعي حاجات الأطفال، فأخذوها من مصدرها وأعادوا كتابتها مع تبسيط للغة، وظنوا أنهم بذلك كتبوا قصة للطفل!
لابد أن نقدم أعلامنا رجالاً ونساء بطريقة جذابة تتناسب مع المرحلة العمرية التي نقصدها. وأذكر في هذا المقام كتاب (حياة محمد في عشرين قصة) لعبدالتواب يوسف، الذي يقدم سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بطريقة جديدة ومختلفة، واستطاع هذا الكتاب أن يفوز بجائزة (الآفاق الجديدة New Horizon Award) في معرض بولونيا العالمي لكتب الأطفال عام 2000م من بين 1400 كتاب من 30 دولة. وترجم إلى الإنجليزية ولغات أخرى، وطبع منه أكثر من سبعة ملايين نسخة.
الخيال العلمي
قصص الخيال العلمي توظف العلم والقوانين والافتراضات العلمية في سبيل خلق عالم خيالي مستقبلي يتصارع فيه الخير والشر، وتتخذ بيئتها في أماكن غير تقليدية كالكواكب وأعماق البحار، وتكمن أهميتها في جمعها بين العلم والخيال، فالطفل يستمتع بقراءة قصة وفي الوقت نفسه ينفتح عقله على العلم ونظرياته ويسبح خياله في عوالم جديدة متخيلة تدفعه للتفكير والتأمل. وهذا النوع الأدبي على أهميته قليل فيما يقدم لأطفالنا، بل إن الموجود منه ليس بالمستوى المطلوب. فياليت الكتاب يتواصلون مع العلم والعلماء ليبدعوا لنا خيالاً علمياً جديداً.
غياب أنواع أدبية
تقل بعض الأنواع الأدبية وأحياناً تنعدم في الإنتاج الموجه للأطفال، ولا نجد إلا الأعمال المترجمة المنقولة من ثقافات أخرى والتي قد تكون بعيدة جداً عن ثقافة أطفالنا، ولا تتناسب مع ميولهم واهتماماتهم. فالرواية مثلاً، الموجهة لفئة 10-12 قليلة جداً ومعظمها من المترجم؛ لذا فعلى المبدعين الالتفات إلى هذا النوع والكتابة فيه بموضوعات تتناسب مع هذه المرحلة. والقصص المسلسلة المصورة (comics) نوع آخر يكاد ينعدم وتسوده المترجمات، وقد تنبهت جائزة زايد لذلك فمنحت جائزتها لعام 2011م في مجال أدب الأطفال لـقصة (سوار الذهب) لقيس صدقي التي جاءت من هذا النوع.
الأدب والدين
ديننا الإسلامي لا ينفصل عن حياتنا، ومن ثم فإنه يمتزج في أدبنا خاصة الموجه للأطفال. واللافت لمن يتابع الأدب الديني الموجه لأطفالنا يلمس تدني المستوى الفني سواء للنصوص أو الشكل الخارجي للعمل (كتاب، أو شريط، أو مجلة.. وغيرها). وقليلة هي الأعمال التي أبدع مؤلفوها في إدخال القيم الإسلامية أو القصص الديني وإبرازها بصورة جميلة. وعلى الرغم من غنى الموضوعات الدينية وثرائها إلا أنها مازالت تنتظر عقلاً نيراً وخيالاً خصباً وموهبة متجددة لتقدمها لأطفالنا.
فهل يطول الانتظار؟
اللغة اللغة
اللغة هي الوسيط الأساس الذي يَعْبُر فيه الأدب شعراً أو نثراً إلى عقول وقلوب أطفالنا. وهي أحد أسرار انجذاب الأطفال للعمل الأدبي أو انصرافهم عنه. ومن العجيب أن يهملها كثير ممن يكتبون للأطفال، ولا يبذلون جهداً يذكر في مراجعتها وتنقيحها. ويغيب الجرس اللفظي والإيقاع الموسيقي في لغة النصوص الطفلية، خاصة تلك الموجهة لفئات عمرية صغيرة يجذبها التلاعب باللغة، ويطربها الإيقاع أياً كان مصدره. وكاتب الأطفال بحاجة ماسة إلى تدريب لغته وتطويعها لتتناسب مع ذوق الأطفال. ومما يدعو للعجب أنه في الوقت الذي نهمل فيه هذا الجانب، ونحن نملك لغة غنية بألفاظها وثرية بمترادفاتها؛ نجد في الآداب الأخرى قصصاً وأناشيد يُعنى فيها بالإيقاع اللغوي الموجة للأطفال، بل إن الأطفال يتدربون عليه في مدارسهم، في رياض الأطفال والمراحل الدراسية الأولى.
الألغاز
أتساءل دائماً ما السر في نجاح قصص الألغاز (كالقصص البوليسية التي أصدرتها دار المعارف في مصر).. وإعجاب الأطفال واندماجهم مع شخصيات محب ولوزة ونوسة وعاطف وتختخ.. بل استمرار مقروئيتها في أجيال متعاقبة حتى وقتنا الحاضر؟ أظن أنها ظاهرة تستحق الدراسة والبحث. وهذه دعوة للباحثين لينظروا في سبب نجاحها لعل هذه الظاهرة تتكرر من جديد.
تحرروا أيها الكتاب والرسامون
نعم تحرروا.. وفكروا خارج الصندوق، فلم يعد أطفال اليوم هم أطفال الأمس. أطفال اليوم انفتحوا على عوالم أخرى، ورؤوا وسمعوا ما عند الآخرين، ولا يثيرهم أو يلفت انتباههم ما كنا نكتبه سابقاً. لابد أن يتطور الكتاب والرسامون ويحرروا عقولهم وخيالهم لينطلقوا في عوالم جديدة ويفتحوا أبواباً جديدة يمكن أن يقبل عليها صغارنا. وأقرب مثال على التحرر الذي أقصده ما قامت به كاتبة (هاري بوتر) -بالرغم من تحفظي على الموضوع- فقد استطاعت أن تخلق عوالم جديدة، بعيدة عن الواقع، ويتصارع فيها الخير والشر لتكون الغلبة في الآخر للخير، وفي غضون سبع سنوات أمسكت هذه السلسلة القصصية بأنفاس ملايين الأطفال والكبار ليس في بريطانيا وحسب بل في العالم كله.
ختاماً.. يحق لي ولغيري أن نتساءل.. ماذا كتب في أدب الأطفال مقابل مالم يكتب؟ أظنه قليل جداً...فهل يعي ذلك المهتمون؟!
اقرأ المزيد »

 

Featured